شهدت المملكة العربية السعودية خلال العقد الأخير حراكًا واسعًا لتطوير قطاعها الصحي وتعزيز قدرات سوقها الدوائي، انسجامًا مع مستهدفات رؤية 2030 الهادفة إلى بناء اقتصاد متنوع قائم على المعرفة.
وتُظهر البيانات الصادرة عن شركتي «IQVIA» و«Euromonitor» تقدمًا ملموسًا على أكثر من صعيد: سوق الدواء، البنية التحتية للمستشفيات، القوى العاملة الصحية، وحصص الشركات المحلية والعالمية في المناقصات الحكومية. في هذا التحليل، نستعرض أبرز المؤشرات ونضعها في سياقها الاستراتيجي.
على صعيد سوق الدواء في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، أوضحت الإحصائيات أن قيمة المبيعات الدوائية الكلية ارتفعت من 24.2 مليار دولار في عام 2020 إلى 29.5 مليار في 2023، مع توقع بلوغ 32.6 مليار في 2024، أي بنمو تراكمي يقارب 35% خلال السنوات الأربع الماضية. وتقود المملكة هذا النمو، إذ ارتفعت حصتها من 8.7 مليار إلى 11.6 مليار دولار، مما يعكس متانة الطلب المحلي وارتفاع القدرة الشرائية. تليها الإمارات وجنوب أفريقيا والجزائر، بينما تظل أسواق مثل لبنان والأردن والكويت أصغر حجمًا لكنها تحافظ على نمو مطرد.
كما تُظهر الإحصائيات أن إجمالي حجم سوق الأدوية في السعودية لأكبر خمسة مجالات علاجية ازداد من نحو 3.8 مليار دولار عام 2019 إلى ما يُقارب 5.6 مليار دولار متوقّع بنهاية 2026، أي بمعدل نمو سنوي مركب يقارب 6.5%.
وتستحوذ «الأدوية العامة» على النصيب الأكبر بما يفوق 2.8 مليار دولار بحلول 2026، تليها «أدوية صحة المستهلك» التي يُتوقع أن تصل إلى 750 مليون دولار، مدفوعة بارتفاع الوعي الصحي والوقاية.
أما قطاعات «الأمراض الجلدية» و«الجهاز الهضمي وطب العيون»، فرغم صغر حجمها النسبي، فإنها تسجل نموًا لافتًا يتراوح بين 5 و7% سنويًا، مع تزايد الطلب على علاجات الحساسية والأمراض المزمنة المرتبطة بنمط الحياة الحضري.
ويُعد سوق المناقصات حجر الزاوية في منظومة الشراء الحكومي للأدوية، حيث بلغت قيمته نحو 5.6 مليار دولار. وتتصدّر كل من شركة «الحكمة» و«سانوفي» بحصة 9% لكل منهما، تليهما «سبيماكو» (8%) و«تبوك» (7%).
كما تحافظ شركات عالمية مثل “فايزر”، “نوفو نورديسك” و”نوفارتس” على حصص بين 5 و6%، مما يعكس توازن المنافسة بين الشركات العالمية والإقليمية. في المقابل، تبرز شركات مثل “جمجوم فارما” بحصة 1%، ما يشير إلى فرصة كبيرة للمصنّعين المحليين لزيادة حصتهم عبر تطوير منتجات تلبي احتياجات السوق المحلي والعالمي.
أما فيما يخص حصص المصنّعين السعوديين من إجمالي الإنتاج الوطني (أكثر من 2130 صنفًا دوائيًا)، فقد تفوقت شركة “مصنع المحاليل الطبية” بنسبة 21%، تليها “تبوك” (18%) و”سبيماكو” (15%).
وتمتلك كل من “جمجوم”، و”رياض فارما”، و”الجزيرة” حصصًا بين 8 و9% لكل منها، بينما تستحوذ بقية الشركات مجتمعة على 20%. وتؤكد هذه البيانات نجاح استراتيجية وزارة الصناعة والثروة المعدنية في تحفيز الاستثمار المحلي ومنح حوافز للابتكار والتصدير، خاصة مع إطلاق الإستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية.
وينعكس هذا الزخم على مجموعة من العوامل المتداخلة مثل إصلاحات التمويل الصحي، وتحفيز التصنيع المحلي، والانفتاح على الاستثمارات الأجنبية، والتحول الرقمي في خدمات الرعاية. وبرغم التحديات المرتبطة بتكاليف الرعاية وارتفاع معدلات الأمراض المزمنة، تتيح المؤشرات الحالية فرصًا واعدة للشركات المحلية والعالمية لتوسيع استثماراتها، خصوصًا في مجالات الأدوية الحيوية، والعلاجات الموجهة، ومنتجات الرعاية الذاتية.
ختامًا:
تمضي السعودية بثقة نحو ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي رائد للابتكار الدوائي والخدمات الصحية عالية الجودة، مستفيدة من سوق محلي قوي، وبنية تحتية متنامية، وسياسات داعمة للقطاع الخاص. وإذا ما استمرت هذه الديناميكية حتى نهاية العقد، فمن المرجّح أن تتحوّل المملكة إلى أحد أكبر أسواق الرعاية الصحية وأكثرها جذبًا للمستثمرين على المستويين الإقليمي والعالمي.
د. نبيل عبدالحفيظ الحكمي
ريادة الأعمال والاستثمار في مجال التقنية الحيوية والصناعات الدوائية المبتكرة