أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطط لتقييد وصول مصنّعي الأجهزة الطبية الصينيين إلى ملايين عقود المشتريات العامة، التي تتجاوز قيمتها 5 ملايين يورو، حيث يرى الاتحاد أن المنافسة مع الصين غير عادلة؛ بسبب الدعم الواسع الذي تقدّمه الحكومة الصينية لشركاتها المحلية، مما يصعّب على الشركات الأوروبية منافستها بشكل مباشر.
وفي المقابل، تعتزم الصين فرض قيود مماثلة على مشتريات الأجهزة الطبية القادمة من شركات مقرها الاتحاد الأوروبي، مما يزيد من التوترات بين الشريكين التجاريين.
يحدث كل هذا في ظل تصاعد التوترات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حيث هدّدت الأخيرة بفرض رسوم جمركية قد تصل إلى 50% على جميع الصادرات الأوروبية، وليس فقط على الأجهزة الطبية. وقد حدد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مهلة للتوصل إلى اتفاق تجاري تنتهي في 9 يوليو 2025، قبل أن تُمدَّد إلى الأول من أغسطس المقبل.
ما الذي يعنيه هذا للمملكة؟
يشهد سوق الرعاية الصحية العالمي تحولات جيوسياسية واقتصادية متسارعة، وتُلقي هذه التحولات بظلالها على أسواق مثل السوق السعودي. ويؤكد الخبير في سوق الدواء والرعاية الصحية، د. محمد توفيق، أن تصاعد التوترات التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى، وتحديدًا بين الاتحاد الأوروبي والصين، وكذلك الخلافات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يحمل في طياته تأثيرات عميقة على توفر الأجهزة والمستلزمات الطبية وأسعارها في المملكة العربية السعودية.
التوترات الأوروبية – الصينية وتأثيرها على الأجهزة الطبية
أدى التوتر الأخير بين الاتحاد الأوروبي والصين، وما أعقبه من قيود متبادلة على استيراد الأجهزة الطبية، إلى اضطراب كبير في سلاسل الإمداد العالمية. وتعتمد العديد من الدول، بما فيها المملكة العربية السعودية، بشكل كبير على واردات الأجهزة الطبية من كلا الطرفين.
إن فرض إحدى الجهات تعريفات جمركية أو قيودًا على الاستيراد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، إذ تزيد التعريفات من تكلفة المنتج المستورد، وهو ما ينعكس على المستهلك النهائي. وقد يشكل ذلك تحديًا لمنظومة الرعاية الصحية في السعودية، خصوصًا أن المركز الوطني للأبحاث والتطوير أشار إلى أن المملكة تستورد نحو 94% من احتياجاتها المحلية من الأجهزة والمعدات الطبية.
ولكن ضمن رؤية السعودية 2030، تركز المملكة على دعم توطين المنتجات الأكثر تطورًا، لجعل المملكة مركزًا صناعيًا ومصدرًا رائدًا ومبتكرًا إلى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ودول منظمة التعاون الإسلامي.
كما تطمح المملكة إلى تطوير صناعة الأجهزة والمستلزمات الطبية، وتعزيز الأمن الصحي، من خلال رفع نسبة توطين هذه الصناعة إلى 15%، بما في ذلك المستلزمات الطبية الاستهلاكية، والأجهزة البسيطة والمتوسطة، وأجهزة التعقيم، وذلك عبر تفعيل اتفاقية توطين الصناعة، وفقًا لبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية.
التوترات الأوروبية – الأمريكية وتأثيرها على الأجهزة الطبية
الجمارك الأمريكية الأوروبية وتهديدات ترامب بفرض رسوم تصل إلى 50% على السلع الأوروبية المصدَّرة إلى السوق الأمريكي، والتي لم يُتوصل إلى اتفاق بشأنها حتى الآن، تُعد عاملًا إضافيًا يعمّق حالة عدم اليقين في الأسواق.
ورغم أن هذا التهديد موجه بشكل مباشر للعلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلا أن تأثيراته غير المباشرة قد تمتد إلى أسواق أخرى مثل السوق السعودي. فإذا طُبّقت هذه التعريفات، قد تلجأ الشركات الأوروبية إلى البحث عن أسواق بديلة لتصريف منتجاتها، ما قد يؤدي إلى زيادة العرض في أسواق مثل السعودية. إلا أن هذا لا يعني بالضرورة انخفاض الأسعار، خاصة إذا كانت المنتجات متأثرة بارتفاع تكاليف الإنتاج أو الشحن.
وقد يؤدي أي اضطراب في سلاسل الإمداد العالمية إلى زيادة عامة في تكاليف الشحن واللوجستيات، مما يؤثر على أسعار السلع المستوردة بغض النظر عن منشئها. كما قد تتأثر قرارات الاستثمار في قطاع الأدوية والرعاية الصحية نتيجة حالة عدم اليقين التجاري، مما قد يبطئ وتيرة التحديث والتطوير في هذا القطاع الحيوي.
التداعيات على سوق الرعاية الصحية السعودي
بناءً على ما سبق، يمكن القول إن سوق الرعاية الصحية السعودي قد يواجه تحديات حقيقية نتيجة هذه التوترات الجيوسياسية.، ولضمان استقرار السوق واستمرار تقديم خدمات رعاية صحية عالية الجودة للمواطنين والمقيمين، من الأفضل في المرحلة المقبلة:
تنويع مصادر الاستيراد للأجهزة والمستلزمات الطبية.، دعم الصناعة المحلية وتشجيع الاستثمار في التصنيع المحلي.، بناء مخزون استراتيجي كافٍ من الأجهزة والمستلزمات الحيوية.، وتعزيز الشراكات مع الدول ذات سلاسل الإمداد المستقرة وغير المتأثرة بالتوترات الحالية.
ختاما:
يمثل سوق الرعاية الصحية السعودي ركيزة أساسية للتنمية، وهو في تطور مستمر. ويتوقّع المركز الوطني للأبحاث والتطوير أن يبلغ حجم سوق الأدوية في المملكة 11.7 مليار دولار بحلول عام 2030، كما يُسجّل سوق الأجهزة والمعدات الطبية نموًا سنويًا يُقدّر بـ 4.4%.
لكن في ظل التقلبات العالمية، فإن الاستعداد لتأثيرات التعريفات الجمركية والتوترات التجارية الدولية يعد خطوة حاسمة نحو بناء استراتيجيات مرنة ومستدامة، تضمن استمرارية تقديم رعاية صحية عالية الجودة للجميع.
الدكتور محمد توفيق الخبير في سوق الدواء و الرعاية الصحية