تعتبر الهند والصين من أكبر الدول في مجال الصناعات الدوائية عالمياً، حيث تشتهر الهند بلقب “صيدلية العالم” لتفوقها في تصنيع الأدوية “الجنيسة” (دواء مكافئ للدواء المبتكر في الشكل والتركيز) بكميات هائلة، بينما تسعى الصين لترسيخ مكانتها كمركز رائد للابتكار الدوائي (الأدوية المبتكرة).
نتحدث في هذا المقال عن المنتجات الدوائية الهندية والصينية من حيث الجودة والأسعار والقدرة التنافسية والتصنيع والتكنولوجيا والتصدير، مستعرضين أحدث الإحصائيات الحديثة، وآفاق المستقبل لكلا البلدين، بما في ذلك التوسع العالمي والابتكار والشراكات والتحديات التنظيمية والسياسية، مع إبراز دور كل منهما في سوق الأدوية الجنيسة والمبتكرة.
طورت كل من الهند والصين، قدرات تصنيع هائلة في مجال الأدوية. تتميز الهند بصرامة معايير الجودة، إذ لديها أكبر عدد من المصانع المعتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (أكثر من 370 منشأة مقابل 170 للصين وذلك خلال عام 2023، ما يعكس التزامها بالمعايير الدولية وثقة الأسواق المنظمة بها.
بالمقابل، تحرز الصين تقدماً سريعاً في تحسين جودة مصانعها الدوائية رغم بقائها خلف الهند قليلاً في هذا المضمار. تقنياً، تستثمر الصين بقوة في التقنيات الدوائية المتقدمة (كالتقنية الحيوية، الغير كيميائية)، بينما تستفيد الهند من خبرتها في “التصنيع الكيميائي” منخفض التكلفة وتتبنى التقنيات الحديثة تدريجياً للحفاظ على تنافسيتها.
يشتهر إنتاج الهند والصين الدوائي بتكلفته المنخفضة عالمياً، ولكن تكلفة التصنيع في الهند أقل بحوالي 20% منها في الصين، ما يمنح الهند ميزة تنافسية واضحة. هذا الفارق دفع بشركات عالمية لاعتماد إستراتيجية “الصين +1” بتنويع سلاسل الإمداد والتوجه إلى الهند كوجهة تصنيع بديلة. مع ذلك، تحتفظ الصين بأفضليتها التنافسية بفضل وفرة المواد الخام (المكونات الدوائية الفعالة) ودعم البنية التحتية الصناعية، وذلك أن نحو 70% من المكونات الدوائية الفعالة التي تستخدمها مصانع الهند تأتي من الصين.
وبالتالي، ورغم التنافس بينهما، هناك اعتماد متبادل ضمن سلسلة الإمداد العالمية حيث إن الهند تتفوق في المستحضرات الدوائية النهائية والتميز بالتكلفة التنافسية، والصين توفر المكونات الدوائية الفعالة الخام لهذا الإنتاج.
تعد الهند والصين من كبار مصدّري المستحضرات الدوائية وإن اختلف حجمهما نسبياً. بلغت قيمة الصادرات الدوائية للهند حوالي 27 مليار دولار في 2023، ووصلت منتجاتها بشكل كبير إلى أسواق أمريكا الشمالية وأوروبا وغيرها. حيث تمثل الهند نحو 20% من صادرات الأدوية الجنيسة عالمياً، وتوفر حصة كبيرة من إمدادات الدواء في الأسواق الكبرى (مثلاً حوالي 40% من الأدوية الجنيسة في الولايات المتحدة). كما أنها أكبر مورّد للقاحات الأساسية عالمياً (بما في ذلك ما يصل إلى 60% من لقاحات الدول النامية.
وفي المقابل، كانت الصين صادراتها الدوائية أقل حجماً، إذ بلغت نحو 42 مليار دولار في ذروة الجائحة عام 2021 ثم تراجعت إلى 13 مليار دولار في 2023. حيث تركّز الصين على تصدير المكوّنات الخام والفعّالة للأدوية (الخاصة بتصنيع الأدوية) إلى مختلف بلدان العالم، بينما لا يزال دورها في تصدير الأدوية الجاهزة (النهائية) محدوداً مقارنة بالهند. ومع ذلك، فإن السوق الدوائية المحلية في الصين ضخمة للغاية، تقدّر بحوالي 7% من حجم السوق العالمي مما يجعلها لاعباً رئيسيًا حتى عبر الاستهلاك الداخلي.
يتجه كلا البلدين نحو التوسع العالمي والابتكار بقوة في قطاع الصناعات الدوائية. وضعت الهند خطة طموحة لتعزيز قطاع الصناعات الدوائية بحلول 2030، حيث تركز على دعم البحث والتطوير وإنتاج أدوية مبتكرة وتعزيز الشراكات العالمية. بالمقابل، تستثمر الصين بكثافة في الابتكار، وباتت تساهم بحوالي 28% من مشاريع تطوير الأدوية الجديدة المبتكرة عالمياً في 2023.
حيث أطلقت شركات صينية عدة أدوية مبتكرة بدعم حكومي يسّر اعتمادها محلياً، فيما تسعى كلتا الدولتين إلى شراكات دولية لزيادة حضورهما العالمي (مثل تعاون الهند في تصنيع لقاحات أجنبية، ومشروعات صينية مشتركة في الأبحاث السريرية). رغم ذلك، تواجه الهند تحدي تقليل اعتمادها على واردات الخامات الصينية وتحسين الرقابة على جودة الإنتاج، كما تحتاج الصين إلى كسب ثقة الأسواق الخارجية بجودة أدويتها المبتكرة وتجاوز العقبات التنظيمية والسياسية أمام انتشارها العالمي.
في الختام عزيزي القارئ، تكمل الهند والصين بعضهما البعض كركيزتين لسوق الدواء العالمي. الهند تؤمّن إمداداً هائلًا من الأدوية الجنيسة واللقاحات بأسعار معقولة، والصين تضخ إمكانات بحثية وتقنية ضخمة لابتكار علاجات المستقبل. المنافسة بينهما تحفّز تحسين الجودة وخفض التكاليف، والتعاون بين شركاتهما يعزّز تنوع سلاسل الإمداد وأمن الدواء عالمياً. ومع استمرار البلدين في توسيع قدراتهما في مجال الصناعات الدوائية، سيبقى لهما دور حاسم في تلبية الاحتياجات الصحية للبشرية خلال السنوات القادمة.
د. نبيل عبدالحفيظ الحكمي
ريادة الأعمال والاستثمار في مجال التقنية الحيوية والصناعات الدوائية المبتكرة