عزيزي القارئ، تشهد الصناعات الدوائية حالياً ما يُمكن وصفه بلحظة «DeepSeek» الخاصة به، في إشارة إلى النقلة النوعية التي يشهدها هذا المجال بفضل موجة من الاكتشافات المبتكرة والمنافسة المتصاعدة.
من الأمثلة البارزة على ذلك ما حققته شركة سَمِت ثيرابيوتيكس، (Summit Therapeutics)، بعد إعلانها عن نتائج مبشرة في تطوير علاج جديد لسرطان الرئة. جاءت هذه النتائج في مواجهة مباشرة مع عقار كيتروودا (Keytruda) الشهير من شركة ميرك الأمريكية (MSD)، والذي يُعَدُّ واحدًا من أنجح الأدوية المناعية في العالم بعائدات سنوية تفوق 20 مليار دولار. وبالرغم من صعوبة تحدي عقار بهذا الحجم والانتشار، تشير التجارب السريرية إلى أن الدواء الجديد قد يُقدّم نتائج تنافسية تجعل منه منافساً محتملاً في سوق العلاجات المناعية.
هذه اللحظة تشبه إلى حد كبير ما حدث في عالم الذكاء الاصطناعي عندما برزت أنظمة ثورية دفعت بحدود البحث والتطبيق إلى آفاق جديدة. ففي قطاع الأدوية، تتوالى الإشارات إلى أننا أمام قفزة نوعية بفضل مزيج من الابتكارات العلمية، وظهور جيل جديد من الشركات الناشئة، والدعم المالي غير المسبوق من المستثمرين الذين يبحثون عن الفرص الواعدة في مجال العلاجات المناعية والبيولوجية المتقدمة.
لا يقتصر هذا القدم في هذا المجال على الشركات الأمريكية أو الأوروبية وحدها، إذ تشهد الصين أيضاً تطوراً لافتاً في قطاع التقنية لحيوية. فهناك عدد متزايد من شركات الأدوية الصينية التي تضاهي نظيراتها العالمية من حيث حجم الاستثمارات والقيمة السوقية، رغم أنها حديثة العهد نسبياً في المنافسة الدولية. يُعزى ذلك إلى ما يشبه «الموجة الثانية» من الابتكار التي تحفزها السياسات الداعمة للأبحاث الطبية، وتوفّر المواهب المحلية والدولية، بالإضافة إلى السعي الحثيث نحو تطوير عقاقير مبتكرة لمواجهة الأمراض الشائعة والنادرة على حد سواء.
ما يلفت الانتباه عزيزي القارئ، هو السرعة التي اكتسبتها الشركات الصينية في اجتذاب التمويل والمضي قدماً في الأبحاث السريرية. فالمشاريع التي تستهدف الأسواق المحلية فقط، كالسوق الصينية الضخمة، بدأت تتوسع نحو الأسواق العالمية، مستفيدة من زيادة الخبرة التنظيمية والتقنية وتنامي الثقة لدى المستثمرين. وعلى الرغم من أن بعض هذه المشروعات قد لا يبدو ثورياً بحد ذاته، فإنها في مجموعها ترسم مشهدًا جديدًا يعكس توازن قوى مختلفاً في قطاع الصناعات الدوائية.
عزيزي القارئ، بالنسبة للشركات الكبرى متعددة الجنسيات، فإن هذا التطور يفرض تحديات وفرصاً في الوقت نفسه. فدخول منافسين جدد بمنتجات مبتكرة قد يدفع نحو المزيد من الأبحاث لتطوير أدوية أقوى وأقل تكلفة، أو نحو صفقات اندماج واستحواذ للاستفادة من الأصول البحثية والكوادر العلمية لهذه الشركات الصاعدة. وفي الوقت عينه، يظل السوق بحاجة إلى علاجات جديدة وفعالة، خصوصاً في مجال الأمراض الخطيرة مثل السرطان والأمراض النادرة، ما يفتح الباب أمام تكامل الجهود وتبادل المعرفة بين الشركات والمراكز البحثية حول العالم.
باختصار، تشهد صناعة الأدوية لحظة استثنائية تتسم بالجرأة في استهداف أمراض صعبة والمعركة ضد أدوية عملاقة رسّخت مكانتها في الأسواق لسنوات طويلة. وتُمثّل هذه النقلة انعكاسا لما يحدث في مجالات تقنية أخرى حين تفرض موجة من الابتكارات إعادة تشكيل موازين القوى التقليدية. وبينما تمضي شركات مثل “شركة سَمِت ثيرابيوتيكس” قدماً في تجاربها الطموحة، تُعزّز الصين موقعها كلاعب عالمي في سوق التقنية الحيوية، ليصبح القطاع بأكمله على أعتاب تحول جذري قد يُفضي إلى ظهور علاجات ثورية جديدة، ويُدخل صناعة الأدوية في مرحلة أكثر ديناميكية وابتكاراً من أي وقت مضى.
د. نبيل عبدالحفيظ الحكمي
ريادة الأعمال والاستثمار في مجال التقنية الحيوية والصناعات الدوائية المبتكرة