لم تعد منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا مجرد سوق ناشئة على هامش الاستراتيجيات العالمية لشركات الأدوية، بل تحولت خلال العامين الماضيين إلى ساحة تنافس حقيقية بين الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، في سباق واضح على النفوذ التجاري والتصنيعي طويل الأجل.
تحليل أكثر من 200 صفقة أدوية وتكنولوجيا حيوية أُبرمت في المنطقة يكشف أن وتيرة الشراكات تحولت من الترخيص والتسويق إلى نقل التكنولوجيا والتصنيع والاستحواذ.
من يستهدف الشرق الأوسط وأفريقيا… ولماذا الآن؟
الولايات المتحدة: تثبيت الحضور قبل فوات الأوان
الشركات الأمريكية، التي طالما ركزت على أوروبا وآسيا، بدأت تكثيف حضورها في المنطقه، مدفوعة بثلاثة عوامل رئيسية مما يعكس إدراكاً متزايداً بأن التأخر في دخول المنطقة يعني خسارة الأرض لصالح المنافسين الآسيويين.
- سرعة الوصول التنظيمي في السعودية والإمارات مقارنة ببعض الأسواق التقليدية.
- قوة التسعير، خصوصاً في أدوية الأورام والأمراض النادرة.
- برامج التوطين السعودية التي تقلل مخاطر الاستثمار عبر عقود شراء طويلة الأجل.
أوروبا: الحفاظ على النفوذ التاريخي
الشركات الأوروبية ما زالت اللاعب الأكبر من حيث عدد الصفقات، مستفيدة من علاقات قديمة وشبكات توزيع راسخة. غير أن تركيزها بات أوضح على: – اللقاحات والبدائل الحيوية. – الأمراض المزمنة ذات الانتشار الواسع مثل السكري وأمراض القلب. – توسيع الحضور التصنيعي المشترك بدلاً من الاكتفاء بالترخيص.
آسيا: اللاعب الأكثر اندفاعاً
الصين، كوريا الجنوبية، والهند تمثل اليوم الكتلة الأسرع نمواً في صفقات ، خاصة في: – الأورام والعلاجات المناعية. – البدائل الحيوية والبيولوجيات. – العلاجات التخصصية متوسطة التكلفة.
هذا الاندفاع الآسيوي يضغط على الشركات الغربية ويعيد رسم ميزان المنافسة في المنطقة.
خريطة الصفقات: ماذا تقول الأرقام؟
عقود الترخيص: العمود الفقري للشراكات 55%
لا تزال اتفاقيات الترخيص هي الشكل الأكثر شيوعاً، لكنها لم تعد مجرد بوابة اختبار للسوق، بل أصبحت أداة لبناء حضور طويل الأجل، خصوصاً عندما تقترن بحقوق تصنيع أو تطوير لاحق.
التسويق والتوزيع 25%
الإمارات، السعودية، والأردن تؤدي دور «مراكز قيادة» للتوسع الإقليمي، حيث تعتمد الشركات العالمية على شركاء محليين لتغطية أسواق متعددة من نقطة واحدة.
التصنيع ونقل التكنولوجيا 15% السعودية في الصدارة
التحول الأهم يتمثل في انتقال المنطقة من الاستيراد إلى الإنتاج. السعودية تقود هذا المسار بوضوح، مع صفقات نقل تكنولوجيا مرتبطة بالتوطين، وهو ما يغير معادلة النفوذ الصناعي في الشرق الأوسط.
المشاريع المشتركة: من السوق إلى المنظومة
مثل الشراكة السعودية لتسريع اعتماد علاجات مبتكرة، تعكس تحولاً من مجرد بيع المنتجات إلى بناء منظومات صناعية متكاملة.
ماذا يعني ذلك لطبيعة صناعة الدواء عالمياً؟
الصورة العامة تشير إلى تحول استراتيجي
السعودية: من سوق استهلاكي إلى مركز تصنيع وتوطين.
الإمارات والأردن: منصات إقليمية للتسويق والخدمات اللوجستية.
مصر: قاعدة صناعية وسريرية متنامية.
آسيا: لاعب ضاغط يعيد تعريف التوازن التنافس
الخلاصة: نافذة الفرص تضيق
الشرق الأوسط وأفريقيا لم يعودا خياراً ثانوياً في استراتيجيات شركات الأدوية، بل أصبحا محوراً تنافسياً قائماً بذاته. السباق اليوم يتمحور حول من ينجح في تثبيت موطئ قدم مبكر في قطاعات دوائية عالية القيمة، قبل أن تُغلق نافذة الأفضلية الأولى.
الدكتور حازم اليعقوب
المؤسس المشارك لشركة باي فارما انتيليجنس










