أكد الدكتور محمود غالي، المدير العام لشركة ساجا للأدوية في منطقة الخليج، أن «الامتثال – Compliance» في قطاع الصناعات الدوائية لم يعد مجرد وظيفة تنظيمية تقليدية، بل أصبح شريكًا استراتيجيًا يمكّن من بناء الثقة، وتحقيق الكفاءة، ودعم النمو المستدام.
جاء ذلك خلال مشاركته في فعاليات مؤتمر الشرق الأوسط الخامس لمخاطر وامتثال الصناعات الدوائية، الذي استضافته دبي مؤخرًا، بمشاركة عدد من الخبراء وصنّاع القرار في القطاع.
وفي كلمته بالمؤتمر، أوضح غالي أن التحولات المتسارعة في القطاع، والضغوط المتعلقة بقيود الميزانيات، ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتوزيع المسؤوليات، تفرض مراجعة جذرية لطريقة النظر إلى الامتثال، مشيرًا إلى ضرورة اعتباره عنصرًا استباقيًا، لا مجرد رد فعل تنظيمي.
وطرح غالي تساؤلات جوهرية خلال الجلسة، من بينها: “ما المقصود ببرنامج امتثال فعّال؟ وهل تقاس فعاليته بالأرقام فقط؟ أم أن جوهر الامتثال يكمن في التوجه نحو الحلول وتعزيز القيمة الأخلاقية والتجارية في آن واحد؟
وأضاف أن الامتثال الفعّال في الصناعة الدوائية يعني دمج الجودة والأخلاقيات والرؤية المستقبلية في جميع مراحل سلسلة القيمة، ما يسهم في ضمان سلامة المرضى، وتحقيق التوافق التنظيمي، وتوفير قيمة تجارية حقيقية.
من وظيفة تنظيمية إلى أداة استراتيجية
وأشار الدكتور غالي إلى أن «الامتثال – Compliance»، عند تنفيذه بشكل صحيح، لا يُعد عبئًا تنظيميًا بل يتحول إلى أداة استراتيجية تعزز الكفاءة التشغيلية، وتُسرّع الدخول إلى الأسواق، وتحافظ على التراخيص التنظيمية، مما ينعكس على نمو الإيرادات.
ولفت إلى أن النظرة التقليدية للامتثال كقسم مستقل لم تعد صالحة، إذ بات من الضروري أن يتحمل جميع قادة الأعمال المسؤولية عن الامتثال، مؤكدًا أن: «النزاهة لا يمكن تفويضها، بل يجب أن تكون جزءًا من ثقافة القيادة».
وشدد على أن ثقافة «الامتثال – Compliance» القوية تتطلب ملكية جماعية مدعومة بوظائف امتثال استباقية، وليست مسؤولية فرق الامتثال وحدها، مضيفًا: “عندما تتبنى الشركات هذه الثقافة، فإنها لا تقلل المخاطر فحسب، بل تعزز الابتكار، وتحسن الكفاءة، وتقوّي السمعة لدى المرضى والمنظمين“.
الذكاء الاصطناعي والموارد البشرية.. تكامل لا بديل
وفي ما يتعلق بدور الذكاء الاصطناعي في مستقبل الامتثال، أوضح غالي أن التقنية تُسهم في أتمتة المهام الروتينية ودعم المراقبة وتحليل البيانات، لكنها لن تحل محل العنصر البشري بالكامل. وقال: “نحتاج إلى البشر لفهم السياق، والقيم، والتعامل مع المناطق الرمادية، فالذكاء الاصطناعي يُعد داعمًا لا بديلاً عن الأخلاق البشرية“.
ودعا إلى تبني استثمارات استراتيجية في الأدوات والتقنيات التي تخدم أهداف الامتثال والكفاءة معًا، مؤكدًا أن الحل يكمن في إدارة ذكية للموارد المحدودة، تجمع بين التكنولوجيا، والمهارات البشرية، وثقافة التعاون.
من عبء تنظيمي إلى ميزة تنافسية
واختتم الدكتور غالي حديثه بالتأكيد على أن مستقبل الامتثال يعتمد على تبني نهج الملكية المشتركة، وليس المسؤوليات المنعزلة، مبينًا أن ثقافة التعاون، والاستثمار في التكنولوجيا والموارد البشرية، هي السبيل لتحقيق التقدم وضمان الثقة المستدامة.
وأضاف: «الامتثال، الذي كان يُنظر إليه في السابق كعائق، أصبح اليوم عنصرًا ممكّنًا ومحفزًا للأعمال. وفي قطاع الأدوية، هذا التحول ليس خيارًا بل ضرورة، ويستحق أن نقوده».